فتاة تكره المطر محمد الراوى

حاول من أجلى إذا كنت تحبنى
قالت له وهى تدخل من بوابة الكازينو فى أول لقاء لهما إنها تفعل ذلك من أجله ،و إنها عانت كثيرا قبل أن توافق على الخروج معه ، فهى لم تفعل ذلك من قبل مع أى إنسان . لم يرد عليها واكتفى بتشديد قبضته على كفها الناعمة الصغيرة . اختار منضدة جانبية تحميها شجرة بفروعها المنتشرة وقال لها إن هذا المكان ملائم لعله يعجبها . أومأت برأسها بابتسامة مضطربة وهى تنظر حولها .
ظهر الجرسون أمامها فجأة بملابسه التقليدية فأبدت رغبتها فى كوب من الشاى ، فطلب منه كوبين من الشاى . بعد قليل أحضر صينية عليها برادا من الشاى وزجاجة مياه معدنية وثلاث أكواب ثم انصرف فجأة كما ظهر فجأة .
تناولت قطع السكر وأسقطتها واحدة وراء الأخرى فى كوبها وأشارت له مستفسرة كم قطعة يريد للشاى ففرد أمام عينيها إصبعين .نظر إلى يدها بيضاء نحيلة ، أظافر طويلة بلا طلاء ، خاتم مستدير من الفضة عليه نقوش غير واضحة .
قبل أن تصب الشاى سقط المطر فوقها .رأى رزاز الماء يسقط فوق رأسها متعلقا بشعرها فى بلورات تلتمع .عرض عليها أن يجلسا فى مكان آخر .التفتت ناحية البحر فلاحت عظمة الرقبة الجانبية بيضاء طويلة ، وريد أخضر يمتد من أسفل عنقها مندسا فى باطن الخد .لما اشتد وقع المطر عليها اقترح أن يذهبا تحت سقيفة قريبة منها . نظرت ناحية السماء ثم نكست رأسها .
لمح الجرسون وهو مقبلاً عليهما فلوح له وطلب منه أن يأخذهما إلى الداخل بعيدا عن المطر .
قالت: إنها تبكى .
– ماذا تقولين ؟
– ليتنى لم أخرج معك ..
وقف الجرسون بالقرب منهما بجلبابه الأبيض ذى الشريط الأحمر محدقا فيهما وأشار لهما إلى الناحية الأخرى من الكازينو وطلب منهما أن يتبعاه .. فتبعاه وقادهما الجرسون إلى مبنى صغير فتح بابه الخشبى ولوح لهما بالدخول وجدا نفسيهما فى قاعة مستديرة ولها نوافذ زجاجية كثيرة تطل على البحر ، مرآة فى المدخل مريحة منتشرة فى القاعة كان الجرسون يقف قريبا منهما وقد حمل إليهما عدة الشاى تعلو شفتيه ابتسامة وعينيه تحدقان فيهما وكأنه يقول لهما هذا
المكان أفضل والعزلة شاملة .أغلق الجرسون الباب عند خروجه .
– لماذا أحضرتنى إلى هنا
– – إن الجرسون هو الذى أدخلنا إلى هذا المكان لكنه أفضل .
أريكة جلدية بعرض الحائط ، مقعدان بمساند وثيرة ، منضدة مستديرة والمرآة بالقرب من الباب ، نافذة يلوح من خلالها الجانب الآخر من الكازينو وجزء من البحر وسماء ملبدة بالسحب يشتد وقع المطر على زجاج النوافذ المغلقة .
– لقد خدعتنى .
– أنا لم أخدعك
– المطر فى أول لقاء لنا ..
– أنا أحب المطر ..
– إنه دموع ..
– وماذا فى ذلك ؟
– أتشاءم من المطر .. أنا أكره المطر .
سألته عن ضرورة وجود مثل هذا المكان فى الكازينو . كان يلجأ إلى الرد عليها بأسلوب لا يسبب لها انزعاجاً أو توتراً ، وفى كل مرة يحاول الاقتراب منها تصده كلماتها وتساؤلاتها . قال فى نفسه إذا الحال كما هو عليه الآن فلن يكون لهذا اللقاء معنى .
انتهز فرصة وقوفها بالقرب من نافذة مغلقة فأراح يده فوق كتفها وطلب منها أن يجلسا معا وأن تستعيد هدوءها ، فى الوقت نفسه الذى سمعا فيه خبطا على الباب ، دخل الجرسون وهو ل لا يزال محتفظا بابتسامته قائلا هل من خدمة يستطيع أن يقدمها لهما
قالت للجرسون : أريد فنجانا من القهوة ، ونظرت إلى رفيقها مرددة : إننى أشعر بصداع والقهوة تريحنى وقالت للجرسون وهو يغادر المكان: بسرعة أرجوك .
عندما جلست فوق الأريكة اقترب منها فقامت وجلست فوق أحد المقعدين ، وقف خلفها ومد يده فوق عنقها ، شعر بعضلات العنق ترتجف ، تلمس عظمة الرقبة صاعدا ً بأصابعه خلف أذنها ، أمسكته من ساعده وأوقفته .
– قالت : تأخرت القهوة والمطر مازال يتساقط .
مد يده الأخرى ، أمسكتها قبل أن تستقر عليها ..
– سأخرج من هنا إذا حاولت أن تلمسنى مرة أخرى .
دخل الجرسون ومعه القهوة . قالت بعد خروجه ..سوف تعطيه بقشيشا كبيرا .
قال مبتسما : إنه يستحق .
– لأنه أدخلنا إلى هذا المكان .
– لأنه حمانا من المطر .
أمسكت فنجان القهوة بحرص وأخذت ترتشف منه ببطء وهى تنقل بصرها من الفنجان إلى النافذة .
– الناس لا يشربون القهوة هكذا .
– أريد أن انتهى منها بسرعة ، هذه عادتى فى احتساء القهوة ..
فاجأه سؤالها عندما سمعها تقول له : هل تعرف فى قراءة الفنجان ؟
– وهل تؤمنين أنت بما يقوله الفنجان ؟
– أحيانا ما يدلنى على الحل الأمثل فى مشكلة من مشاكلى أو موقف من المواقف .. كيف أتصرف ، أو ماذا أقول !!
انتهت من ارتشاف القهوة وأخذت تنظر فى تجويف الفنجان وتديره بين أصابعها النحيلة .
– ما رأيك ..جرب بنفسك واقرأ لى الفنجان .
ناولته الفنجان ، كانت بقايا القهوة متعلقة بجدرانه ، رأى خيوطاً متعرجة متشابكة ودوائر وأشكالا كونتها البقايا المترسبة .جلس على الأريكة بالقرب منها وهى تحثه على القراءة
– لاشىء فى الفنجان سوى التفالة .
– لا تسخر حاول من أجلى إذا كنت تحبنى .
هزه تعبيرها وشعر بأن ثمة تجاوباً لعله يكون حقيقة .
قال : أنت متوترة الأعصاب وهذا التوتر يفسد أشياء كثيرة تربطك بالآخرين .
قالت له وهى تريح ذراعيها فوق كتفه : هيا أكمل ..لقد رأيت من قبل وجوهً بشعة وأظافر مقوسة وثعابين سامة .
قال: هذه الخيوط المتشابهة التى تركزين عليها عبارة عن اضطرابات أثرت فى طبيعة علاقتك بالناس المقربين منك ..لن تزيلها إلاّ تلك البقع البيضاء ..
قالت له وهى أكثر التصاقا به فى جلستهما المشتركة : أين البقعة ..أنا لم أرها ؟!
– يجب أن تركزى مشاعرك كلها داخل البقعة البيضاء ..وابحثى عنها فى كل فنجان قهوة تحتسيه واتركى البقع السوداء وثعابينك إلى غير رجعة .
– هيا حدثنى أكثر عن البقعة البيضاء ..
حرك يده قليلا ً فوق كتفها فنظرت داخل عينيه وتركت يدها مستريحة فى المكان الذى اختارته فوق كتفها
– قل لى: كيف أبدو لك فى الفنجان ؟
اخفض بصره بعيدا عن الفنجان ، رأى ساقيها مضمومتين بجوار ساقيه ، وركبتيها بيضاوين ملتمعتين ، وكان ثمة شعر خفيف على طول الساقين . لاحظ ندبة جرح قديم فوق إحدى ركبتيها قال فى نفسه :أنه لم يتفحصها جيدا .
هزت زراعه ، عاد ينظر إلى الفنجان وهى تتابعه بعينيها ملتصقة به .
انفتح الباب وظهر الجرسون عند المدخل ، تطلعا نحوه ، رآهما ملتصقين على الأريكة ومعهما الفنجان فاتسعت ابتسامته . سألهما إذا ما كانا يريدان شيئا آخر ، أومأ إليه بالرفض فخرج وأغلق الباب وراءه . تنفست بعمق ..
– هذا الرجل يتجسس علينا .
قام من جانبه واتجه إلى النافذة ونظر من خلالها . كان المطر ينهمر بشدة ، لم يعد يرى البحر والأشجار ، أخذ يبحث عن ملحقات الكازينو فى الجانب الآخر ، كانت الأشياء بالخارج قد اصطبغت باللون الأبيض فصعبت الرؤيا ، لكنه رصد بالكاد شبحا يتحرك تحت المطر تبين فيه الجرسون ، سأل نفسه ماذا يفعل هناك تحت المطر ؟ لوح له بيده من وراء الزجاج دون جدوى . – تخيلى رأيت الجرسون يسير تحت المطر.
– ربما كان يحب المطر مثلك ؟
– أنا أحب هذه النوعية من الناس .. من البشر .. أليس كذلك ؟
– إذن اتركه يستمتع بالمطر
– جميل أن تقولى هذا الكلام .
– ماذا كنا نقول قبل أن يدخل علينا الجرسون ؟ أنت لم تكمل كلامك ..
– كنت تسأليننى كيف تبدين لى فى الفنجان ؟
كانت تكلمه وذراعها ممدودة بالفنجان تجاهه ، قريبة منه جدا وقد شعر بأنه يتعرف عليها للمرة الأولى أيقظه صوتها تسأله
– ألم تر هذه البقعة لماذا لم تحدثنى عنها ؟
تمعن فى جوف الفنجان وهو يتساءل دون النظر إليها : أى بقعة تقصدين ؟
انتزعت الفنجان من بين كفيه ، وضعته على الصينية والتفتت إليه ، لاحظ أن ثمة تغييرا واضحا فى ملامح وجهها وأن عينيها تشعان ببريق لم يلفت نظره منذ بداية اللقاء ، وبينما هو فى استغراقه فى تصرف لا يهدم به كل وسائل التقرب إليها ومنها كانت شفتاها تلتصق بشفتيه وهى تضمه إليها

مشاركة الموضوع :

شاهد أيضاً

الكابتن

بقلم الأديب مجدي متولي كان جالسا في صومعته الصغيرة لا يزيد حجمها عن 3×3 متراً …