عذرا لك ايها الحجر

كتبت..غادة محفوظ 

نشأت بين جنبات عقار كانت تقطنه أسرتان ..أسرتى المسلمة ، وأسرتي القبطية فكان لي أمان أم مسلمة وأم قبطية ، لم نكن أبدا ندرك حينها ما الفرق بين المسلم والقبطي ، فالحياة المشتركة بيننا هى أهم مايميز تلك الفترة من الزمن التى قضيناها سويا .

 

نتقاسم الأفراح والأحزان والطعام والشراب والملبس ، وأبدا لم ترد على مسامعنا لفظ مسلم وقبطي فالجميع إخوة وأهل ، ولا يستطيع كائنا من كان محاولة التفكير في زعزعة هذه الجذور المتوغلة من قديم الزمان لأن أي محاولة من هذا القبيل محكوم عليها بالفشل الذريع.

 

مرت الأيام والليالي وأخذت الحياة مجراها ليذهب كل منا حسب ما أراد له المولى سبحانه ، وما أجمل تلك اللحظات التى يختلى فيها الواحد منا بنفسه ليذرف دموع الذكريات الجميلة على وجنتيه متذكرا تلك اللحمة العجيبة والإنصهار البديع في بوتقة واحدة هى بوتقة الحب والإخاء والمودة ، فكم سهرنا من ليال سويا وكم من طعام تناولناه سويا تجمعنا (طبلية) واحدة ، وكم من عيد تقاسمنا فرحته ، وكم من مصيبة تشاطرنا حزنها , وكم .. وكم .. وكم ؟؟؟

 

أيام خوالي لا تمحى من ذاكرة التاريخ ،نترحم عليها ونتعجب مما تراه أعيننا هذه الأيام ، فأسوأ المتشائمين لم يخطر بباله أن يقال عن المصريين هذا مسلم وهذا قبطي ، بل ولا يمكن مطلقا أن يرد على ذهن عاقل أنه سيأتي يوم يرفع فيه المصري السلاح في وجه أخيه المصري ، بل لا يجول بخاطره مطلقا أن يفرح ويشمت أحد المتأسلمين ( ممن يدعون الإسلام وهم أبعد ما يكون عن سماحته وتعاليمه) في مقتل أحد الأقباط وهم شركاء الوطن الذين يتعرضون – فى اعتقادي – لإضطهاد ممنهج يحاك بكل دقة في الخفاء من بعض الفئات والجماعات التى وضعت لنفسها غاية لن تحيد عنها ألا وهي شق وحدة الصف المصري ، ولكن هيهات هيهات لهذه الأفكار الخبيثة والعقول الملوثة أن يتحقق لها مرادها ، فمصر كما كانت على مر التاريخ مقبرة للغزاة ستكون مقبرة لهؤلاء الأوغاد الذين يدعون كذبا وزورا وبهتانا إنتماءهم للإسلام ، والإسلام منهم برئ براءة الذئب من دم ابن يعقوب .

 

ما حدث بالأمس في المنيا جريمة نكراء يشيب لها الولدان ، وتباً لهؤلاء القتلة الذين أضاعوا على مصر بأكملها ( مسلمين وأقباط) فرحة ينتظرها الجميع من العام إلى العام ألا وهي فرحتنا بشهر رمضان المبارك .

 

ما أحقرك أيها القاتل حينما تُقدم على إزهاق روح أخيك الإنسان وتعطي لنفسك حقا إلهيا وهو حق قبض الروح التى أودعها الله في الجسد وهو وحده – سبحانه – المنوط بإخراجها كيفما شاء ووقتما شاء.

 

أليس حري بك أن تعطي نفسك فسحة قصيرة من الوقت قبل أن تقدم على تلك الفعلة الشنيعة ؟ أم أن شيطانك اللعين قد عبث بعقلك وتمثل بوجهه القبيح فى صورتك لتختفي كل معالم الإنسانية التي بداخلك وتبدو في الأفق معالم شيطانية خبيثة لا هم لها سوى إشباع رغباتها المريضة من قتل وخراب وتدمير ؟ .

 

إن الفطرة السليمة تأبى أن تعي كيف يمكن لإنسان أن يحمل سلاحا ليقضي به على أخيه في الإنسانية .. تلك الإنسانية التي وضع الله لها أسسا وقواعدا لا يمكن لذي عقل حصيف أن يحيد عنها .

 

ماذا بك أيها القاتل الغاشم  لو علمت أن قتل نفس كقتل البشرية جمعاء ، والذود عن نفس وحمايتها من القتل يعادل عند الله إحياء الناس جميعا كما قال الله تعالى في كتابه الكريم  “من قتل نفسا بغير نفس أوفساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ”

 

خبرني بربك .. ما ذنب ذلك الإنسان الذى صوبت تجاهه سلاحك ؟

 

أي جرم شنيع ارتكبه طفل صغير يذهب بصحبه والديه للعبادة  بحقك لتكون عاقبته الترويع ثم القتل ؟

 

كم من الثراء والشهرة  وراحة البال ستحصل عليه بعد أن تُنهي جريمتك ؟

 

أي عقل هذا الذي يحويه رأسك اللعين والذي يقتنع بأن طريقك للجنة مفروش بقتل الأقباط ؟؟؟

 

هل استبدلت قلبك الذي بين ضلوعك بحجر أصم لتقتل أبرياء آمنين كانوا في طريقهم إلى دار العبادة ؟؟

 

عذرا أيها الحجر فلقد أسأت إليك بتشبيهك بهذا القلب الذي تجرد من كل مشاعر الانسانية ، فأنت أيها الحجر قد تتشقق ويخرج منك ماءا عذبا سلسبيلا يرتوى منه الظمئان ، وقد يتفجر منك الأنهار ، وقد تهبط من خشية الله

 

أما هذا القلب الغاشم فقد هرولت الدماء من شرايينه وحلت محلها كرات دم سوداء مليئة بالغلظة والنفور والغباء والتي ستودي بصاحبها إلى هلاك محتوم .

 

ختاما ..

 

إن الصراع الدائم بين الحق والباطل هو أساس الإختلاف بين البشر منذ بدء الخليقة ، حيث كانت النشأة التاريخية للإرهاب عندما بث الشيطان سمومه في أذن ابن آدم ليقتل أخاه دون أن يقترف المقتول إثما يستحق بسببه القتل ، فكانت أولى جرائم الإرهاب والتى استحدث بعدها المجرمون – على مر التاريخ – أسوأ وأبشع أساليب القتل التي عانى من ويلاته بنوالبشر ، حيث تجرد هؤلاء العتاة من إنسانيتهم وقضوا على آلاف بل ملايين البشر الذين لم يكونوا سوى ضحايا لأناس إستوحشت نفوسهم وصموا آذانهم عن سماع كلمة الحق فأبوا إلا أن يقضوا على الأخضر واليابس متلذذين برؤية ما حققوه من نصر زائف ومجد مزعوم.

وأقول لهؤلاء :

اتقوا الله في مصر فالفتنة نائمة لعن الله من أيقظها ونحن المصريون يجري في عروقنا دم واحد وتجمعنا أغلى ثلاثة أحرف من حروف الهجاء( مصر) ومصر لها علينا من الواجبات والحقوق ما يجعلنا نصطف سويا بعيدا عن النزاعات والخلافات لنرفع راية وطننا الحبيب خفاقة عالية بين سائر الأمم .

 

شاهد أيضاً

ديوان “مجاز الماء “قفزة شعرية في مسيرة سامح محجوب

صدرت مؤخرا الطبعة الثانية من ديوان ” مجاز الماء “عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، وفيه …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

10 − 6 =