كتب / محمد نبيل محمد
لما كان مقتضى الحال يستوجب اتصاف الفعل الجمعى بالكد والجد معا وهما صفتان تستندتان على ممارسات جديدة – او الجديد كان فى ارادة حقيقية لاستدعائهما – وتلك الممارسات اصبحت معتادة فى السلوك الحياتى اليومى للمصريين وهما عدالة النموذج وشفافية الحساب, لذا تفرغ بإطمئنان المصرى الجديد للبناء بكل ما أوتى من جد وكد, والى جوار الكد والجد سطع نجمان جديدان فى واقع الفعل المصرى وهما التقدير والعرفان, التقدير لمن هم بذلوا الفعل بكد وجد, والعرفان لمن هم اتاحوا الفرصة بشفافية وعدالة متساوية للجميع, ونبدأ معا بالسؤال السقراطى : من منا قال للآخر( شكرا) ؟ ايا كان هذا الآخر, سواء كان معلما لعلم او لحرفة, او مقدما لنصح, او محذرا من خطأ اوشك وقوعه او مانعا لاستمراره, او جابرا لخاطر امسى مكسورا أو كاد, أو مانحا لعطف أدفىء نفسا تقشعر من زمهريرالوحدة, أو واهبا لأمل فى أعين ساد سوادها, من منا قال (شكرا) لمن مد له يد العون ؟ والسؤال الثانى هو : من منا اعترف بجميل غيره عليه؟ عندما اعطاه الفرصة إذ عزت عليه, وعندما البسه طوق النجاة وقتما ظن الهلاك, وعندما آثره على نفسه فى التنعم فى البقاء والوجود وجاد غيره بالعرق أو بالدم وربما بالروح من أجل وجود غيره, وغير كل تلك الأفعال من ايجابيات الأعمال الباقيات الصالحات التى تستوجب الشكر والعرفان لأصحابها, هل تصور احد منا كيف يكون الواقع الانسانى دون وجود (الشكر) و(العرفان) ؟! وهل تصح الحياة وتستقيم مساراتها دون ان يؤجر الفاعلون الحقيقون ولو بكلمة شكر وبقليل من فعل العرفان؟! وما هو حال من يشكرون الناس, اليسوا فى عبادة حقيقية أوهم كذلك بحق؟! وبالتالى كان حال من يعترفون بفضائل اعمال السابقين, ويتبقى سؤال قد يكون أخير, وهو : من علم من يعولهم الشكر للآخرين والعرفان بجميل صنيع الغير؟!
لاشك ان المصرى القديم الاول كان يعلم قدر شكره لمن يفعلون له الخير, ومؤمنا بمقدارعرفانه لمن سبقوه ومهدوا له الأرض وبنوا العلا واناروا الفكر بالعلم وشيدوا الانسان بالأخلاق, والا لما كانت الحضارة المصرية القديمة هى ام الحضارات ومبعث انسانيتها, ونحن اذ نرث من الأجداد القدماء أثارا تدر علينا من النعم الكثير, من الأجدى ان نمارس أرثا كان سلوكا اعتياديا لهؤلاء الاجداد, ما أجمل ان تسير ابنة الشهيد فى شارع اطلق اسم اباها عليه, واى فخر يعيشه هذا الطالب فى مدرسة تعلمه العرفان لمن ضحوا بارواحهم فداء للآخرين واسم والده الشهيد يقرأه صباح كل يوم مع زملاءه على يافطة المدرسة (ما اعظمه من درس), وميادين بأسماء العلماء الأفذاذ تعطى النموذج للقادم فى بذل الجهد والكد فى العلم لرفعة الجميع وخلود الاسم, وطرقات وكبارى ومعاهد وكليات ومستشفيات ودور عبادة من كنائس ومساجد وقواعد عسكرية وقطع بحرية ومصانع ومدنا كاملة , وغيرها كثير, فقط تقول للأخرين كلمة (شكر) وتجسد (العرفان) لمن ضحوا وبذلوا, تلك الممارسة من الشكر والعرفان من المحتم تعميم فعلها فى كل كل مناحى حياتنا اليومية حتى تصون بقاء فعل الكد وتضمن استمرارعمل الجد, لاننا فى عوز واحتاج شديدين لهما فى معركد الوجود الدائر رحاها الآن!
ولمن لم يحظى بفرصة مطالعة افضل ما سطره الغرب عنا فى لحظات الحق النادرة عندهم, وهو كتاب فجر الضمير اصدق ادبيات هؤلاء عنا, وهو بإختصار يرد افضلية ابداع الاخلاق للمصريين قبل غيرهم إذ تحدث هنرى جيمس بريستيد عن شروق شمس الأخلاق من مصر, وكان التجسيدا الحقيقى لهذا المعنى الذى صنعته عفوية المصرى وعبقريته فى حوار غير مختلق لان احداثه مثبتة تاريخيا منذ عشرات السنوات, وهو مادار امام المصريين والعالم من حوار بين رأس الدولة واحد ابطال اكتوبر, الاول تحدث بصيغة العرفان لمعلمه رغم كونه رئيس مصر, والثانى تحدث بتواضع الشاكر امام رئيسه رغم انه كان يوما قائده, ما اعظم الدرس وابدعه فى رسم ملامح مصر الجديدة القادمة بقوة وثبات لتعود وتقود العالم الانسانى معلنة ان الحضارة الانسانية لا تعنى تقدما تكنولوجيا او ثراء اقتصاديا قدر ما تعنى أولا ارتقاء انسانيا قبل كل شىء, فبالأخلاق تشرق شمس الانسانية وتتحضر الشعوب وتخلد.
وليس غريبا على المصريين استعادة ممارسات الشكر والعرفان فيما بينهم كما كان العظماء الاجداد لنحفظ معا سببا من اسباب الارتقاء والتطور, وفى القادم ان شاء الله حديثا عن الايثار والتعفف.
وفى القادم ان شاء الله احاديث عن مصر الجديدة والمصرى الجديد.